م. طلال القشقري
من أشهر الهائمين والمُتيّمَين العرب: قيس بن الملوّح، الذي كان يحبّ ابنة عمّه ليلى حُبًّا عُذريًا جنونيًا، ومن أجمل شعره الذي أنشده فيها:
فما طلع النجمُ الذي يُهْتدى بهِ
ولا الصّبحُ إلاّ هيَّجا ذِكْرَها لِيا
ولا هبّتِ الريحُ الجنوبُ لأرضها
من الليل إلاّ بِتُّ للريحِ حانِيا
أراني إذا صلّيْتُ يمّمْتُ نحوها
بوجهي وإن كان المُصلّى ورائِيا
وما بي إشراكٌ ولكنّ حبّها
وعُظْم الجَوى أعْيا الطبيبَ المُدَاوِيا
هذا الشعر، ومثله كثير، جعلا عمّه، غليظ القلب، يرفض زواجه من ليلى لأنه شبَّب بها، أي تغزّل فيها في شعره، وهذا أحد المُنكرات في قبائل العرب، فهَامَ قيسٌ على وجهه في البريّة، مُتوحّشًا على الناس، حتى مات وحيدًا في سفح أحد الجبال، ويُقال إنّ آخرَ بيتيْ شعْرٍ أنشدهما هما:
وإنّي لَمُفْنِي دمعَ عيني بالبكاء
حذارًا لما قد كان أو هو كائنُ
وما كنتُ أخشى أن تكون منيّتي
بكفّيْكِ إلاّ من حان حائنُ
مهلًا، لم ينته المقال، فقد عثرتُ على وجهِ شبهٍ بين قيسٍ وبين كلّ شاب سعودي عفيف، يريد أن يُكْمِل نصف دينه، ويستغني بالحلال عن الحرام، ويُكوِّن أسرة سعيدة يكون هو ربّانُ سفينتها، لكن أنّى يتحقّق له ذلك؟! وهو خرّيج عاطل، لا وظيفة يقتات منها، أو لديه وظيفة براتبٍ متواضع، ألفيْن أو ثلاثة آلاف من الريالات لا تكفي لتوفير مهْرٍ لا يقلّ عن (30) ألف ريال، وسيارة لا تقلّ عن (70) ألف ريال، وشقّة لا يقلّ إيجارها عن (20) ألف ريال، وتأثيث منزلي لا يقلّ عن (50) ألف ريال، ووو... مع عجز ذويه عن مساعدته بسبب ما هم فيه من ضنك وديون وأقساط ناتجة عن تكاليف المعيشة المرتفعة، ألا يهيم على وجهه في مدينته أو قريته؟ ألا يتوحّش على الناس؟ ألا يستأنس بمواقع الدردشة في الإنترنت؟ أو بأصدقاء السوء؟ أو حتى بمُتطرّفي الفِكْر والسلوك؟ ليتنا نُدْرك كلّ قيسٍ سعوديٍ، قبل أن يُسْدل الستار على مأساةٍ أخرى من مآسي الحبّ العُذري، ونكون مثلّ عمّ قيس الذي ندم وقال: ما عَلِمْنا أنّ الأمر سوف يبلغ كلّ هذا!!.
جريدة المدينه
الأثنين 11ربيع أول1432هـ
من أشهر الهائمين والمُتيّمَين العرب: قيس بن الملوّح، الذي كان يحبّ ابنة عمّه ليلى حُبًّا عُذريًا جنونيًا، ومن أجمل شعره الذي أنشده فيها:
فما طلع النجمُ الذي يُهْتدى بهِ
ولا الصّبحُ إلاّ هيَّجا ذِكْرَها لِيا
ولا هبّتِ الريحُ الجنوبُ لأرضها
من الليل إلاّ بِتُّ للريحِ حانِيا
أراني إذا صلّيْتُ يمّمْتُ نحوها
بوجهي وإن كان المُصلّى ورائِيا
وما بي إشراكٌ ولكنّ حبّها
وعُظْم الجَوى أعْيا الطبيبَ المُدَاوِيا
هذا الشعر، ومثله كثير، جعلا عمّه، غليظ القلب، يرفض زواجه من ليلى لأنه شبَّب بها، أي تغزّل فيها في شعره، وهذا أحد المُنكرات في قبائل العرب، فهَامَ قيسٌ على وجهه في البريّة، مُتوحّشًا على الناس، حتى مات وحيدًا في سفح أحد الجبال، ويُقال إنّ آخرَ بيتيْ شعْرٍ أنشدهما هما:
وإنّي لَمُفْنِي دمعَ عيني بالبكاء
حذارًا لما قد كان أو هو كائنُ
وما كنتُ أخشى أن تكون منيّتي
بكفّيْكِ إلاّ من حان حائنُ
مهلًا، لم ينته المقال، فقد عثرتُ على وجهِ شبهٍ بين قيسٍ وبين كلّ شاب سعودي عفيف، يريد أن يُكْمِل نصف دينه، ويستغني بالحلال عن الحرام، ويُكوِّن أسرة سعيدة يكون هو ربّانُ سفينتها، لكن أنّى يتحقّق له ذلك؟! وهو خرّيج عاطل، لا وظيفة يقتات منها، أو لديه وظيفة براتبٍ متواضع، ألفيْن أو ثلاثة آلاف من الريالات لا تكفي لتوفير مهْرٍ لا يقلّ عن (30) ألف ريال، وسيارة لا تقلّ عن (70) ألف ريال، وشقّة لا يقلّ إيجارها عن (20) ألف ريال، وتأثيث منزلي لا يقلّ عن (50) ألف ريال، ووو... مع عجز ذويه عن مساعدته بسبب ما هم فيه من ضنك وديون وأقساط ناتجة عن تكاليف المعيشة المرتفعة، ألا يهيم على وجهه في مدينته أو قريته؟ ألا يتوحّش على الناس؟ ألا يستأنس بمواقع الدردشة في الإنترنت؟ أو بأصدقاء السوء؟ أو حتى بمُتطرّفي الفِكْر والسلوك؟ ليتنا نُدْرك كلّ قيسٍ سعوديٍ، قبل أن يُسْدل الستار على مأساةٍ أخرى من مآسي الحبّ العُذري، ونكون مثلّ عمّ قيس الذي ندم وقال: ما عَلِمْنا أنّ الأمر سوف يبلغ كلّ هذا!!.
جريدة المدينه
الأثنين 11ربيع أول1432هـ
تعليق