أميمة بنت صبيح الدوسية الزهرانية
================
في أرض دوس بزهران على قمم جبال السراة وعلى سفوح جبال ذي منعى
وقدوم ضان وظهر الغدا وتحديداً بقرية الجبور عاشت ونشأت ودرجت
ميمونة بنت صبيح وقيل صفيح الدوسية الزهرانية عاشت في ذلك المجتمع
الذي يسوده عبادة غير الله وتعلقهم بذي الخلصة وذي الكفين وذي الشرى
0
0
مات عنها زوجها وترك لها غلاماً صغيراً وقطيعاً من الغنم كان الغلام
ذكياً فطناً سماه والده عبدشمس ترعرع وتربى يتيما في كنف أمه التي حرصت
كل الحرص على رعايته وتربيته ورعى لأمه الغنم في تلك الأودية والشعاب
وعلى شعاف جبال دوس ولما تجاوز العاشرة من عمره كانت أميمة وولدها
ممن شاهد وسمع بذلك الحدث العظيم الذي وقع في بلاد دوس وغير مجرى تاريخها
ماالحدث ياترى وما موقف أميمة وولدها منه ?
0
0
الحدث وقع في ليلة من ليلي دوس الباردة الشاتية’ الحالكة الظلام ’حيث أمتزج
سواد الليل بكثافة الضباب ’فقد ظهر لأهالي دوس نوراً غريباً من فوق جبل
قدوم ضان , قأخذوا يرمقونه بأعينهم ويتابعونه حتى أقترب منهم شيئاً فشيئاً
فإذا به السيد المطاع والشاعر الحكيم الطفيل بن عمرو الدوسي وفي يده
سوط ينبعث منه نوركالقنديل المعلق إنها آية وعلامة من بركة دعاء
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لتعينه على دعوة قومه إلى دين الله
وعبادته وحده لاشريك له ,عارض كثير من أهل دوس هذه الدعوة الجديدة
وكانت ميمونة بنت صبيح في قائمة المعارضين ,أما ولدها فكان ممن
استجاب ودخل في الإسلام رغم معارضة أمه له و كان شديد البر بها
وظل ملازما لها حتى تجاوز عمره العشرين ,و يخرج من قومه أناس
مهاجرون إلى المدينة فقرر عبد شمس الهجرة معهم 0
0
0
وترك أمه بأرض دوس على دين قومها وفي المدينة يلتقي عبد شمس
بالرسول صلى الله عليه وسلمويلازمه ويغير اسمه إلى عبد الرجمن
0
وكناه بأبي هريرة , لكن ظلت أمه شغله الشاغل وهمه الدائم فكان يتردد
إليها ويدعوها إلى الإسلام إلا أنها ظلت على دين قومها 0
بل أسمعته ذات يوم كلام لا يرضاه في رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولكنه لم ييأس من هدايتها
ولندع أبا هريرة يحدثنا عن حرصه على إسلام أمه
وموقفها من دين الله يقول رضي الله عنه :
إِنَّ أُمِّي كَانَتْ مُشْرِكَةً، وَكُنْتُ أَدْعُوْهَا إِلَى الإِسْلاَمِ، وَكَانَتْ تَأْبَى
عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ وَأَنَا أَبْكِي، فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ).
فَخَرَجْتُ أَعْدُوا، أُبَشِّرُهَا، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا البَابُ مُجَافٍ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ
المَاءِ، وَسَمِعَتْ حِسِّي، فَقَالَتْ:
كَمَا أَنْتَ، ثُمَّ فَتَحَتْ، وَقَدْ لَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا،
فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
وَقَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ أَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الحُزْنِ
فَأَخْبَرْتُهُ، وَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِيْنَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا).
ما أسعدك ياأباهريرة فقد تحقك حلمك وأنقذ الله أمك أميمة بنت صبيح
من النار بل زادك الله وأمك شرفاً محبة المؤمنين لكما فما سمع بكما
مؤمن في شرق الأرض وغربها إلا أحبكما 0
يا سبحان اللهكيف تغيرت أحوالك يأميمة بنت صبيح ?
وهاأنت تغادرين أرض دوس وتعيشين في المدينة النبوية ويصبح
ابنك حافظة الدنيا وراوية الإسلام ببركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له
وظلت أميمة في المدينة بالقرب من ابنها البار بها يعانون الفقر والجوع
يقول أَبِو هُرَيْرَةَ : خَرَجْتُ يَوْماً مِنْ بَيْتِي إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَدْتُ نَفَراً
فَقَالُوا: مَا أَخْرَجَكَ؟
قُلْتُ: الجُوْعُ.
فَقَالُوا: وَنَحْنُ -وَاللهِ- مَا أَخْرَجَنَا إِلاَّ الجُوْعُ.
فَقُمْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَقَالَ: (مَا جَاءَ بِكُمْ هَذِهِ السَّاعَةَ).
فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا بِطَبَقٍ فِيْهِ تَمْرٌ، فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا تَمْرَتَيْنِ، فَقَالَ:
(كُلُوا هَاتَيْنِ التَّمْرَتَيْنِ، وَاشْرَبُوا عَلَيْهِمَا مِنَ المَاءِ، فَإِنَّهُمَا سَتَجْزِيَانِكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا).
فَأَكَلْتُ تَمَرَّةً، وَخَبَّأْتُ الأُخْرَى، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لِمَ رَفَعْتَهَا؟).
قُلْتُ: لأُمِّي.
قَالَ: (كُلْهَا، فَسَنُعْطِيْكَ لَهَا تَمْرَتَيْنِ).
رحمك الله ورضي عنك يأباهريرة كم كنت باراً بأمك وليت شببنا
اليوم يعرفون ويطلعون على هذه النماذج في البر وخدمة الإسلام .
ثم تمر اللليالي والأيام ويصبح لأبي هريرة أرض بالعقيق بل ويصبح
أميراً على البحرين ثم على المدينة في خلافة مروان بن الحكم
لكنه لم ينس فضل الله عليه .
0
0
يروى أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ يَوْماً، فَلَمَّا سَلَّمَ رَفَعَ صَوْتَهَ، فَقَالَ:
الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الدِّيْنَ قِوَاماً، وَجَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِمَاماً، بَعْدَ أَنْ
كَانَ أَجِيْراً لابْنَةِ غَزْوَانَ عَلَى شِبَعِ بَطْنِهِ، وَحَمُوْلَةِ رِجْلِهِ
ولقد كانت أم أبي هريرة مثالاً للجود والكرم ، فقد كان أبو هريرة ذات
يوم جالساً مع حميد بن مالك بن خثيم في أرض أبي هريرة بالعقيق
فأتاه قوم ، فنزلوا عنده ، قال حميد : فقال : اذهب إلى أمي فقل :
إن ابنك يقرئك السلام ويقول : أطعمينا شيئاً ، قال : فوضعت ثلاثة
أقراص في الصحفة وشيئاً من زيت وملح ، ووضعتهما على رأسي ،
فحملتها إليهم . فلما وضعته بين أيديهم كبّر أبو هريرة وقال: الحمد لله الذي
أشبعنا من الخبز، بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين : التمر والماء
.لم يحفظ لنا التاريخ متى توفيت أميمة بنت صبيح أم أبي هريرة رضي الله عنهما
وحفظ لنا تاريخ وفاة ابنها فلما مرض ودنا أجله و كان يعوده المسلمون
داعيين له بالشفاء ، كان شديد الشوق الى لقاء الله ويقول :
( اللهم اني أحب لقاءك ، فأحب لقائي )
وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة
وتبوأ جثمانه الكريم مكانا مباركا بين ساكني البقيع الأبرار
فرحم الله أبي هريرة وأمه أميمة بنت صبيح ورضي عنهما
وجمعنا بهما في جنات نعيم
اللهم آمين
الشعفي
16/10/1427هـ