Unconfigured Ad Widget

Collapse

خروج عن النص ..!!

Collapse
X
  •  
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6170

    خروج عن النص ..!!

    ودّع العقاد حبه لفتاة أحلامه التي كانت تعيش بضاحية عين شمس على مقربة من مصر الجديدة حيث عاش الكاتب الكبير حتى أخريات أيامه في الحياة الدنيا ...ودّعه وهو يعتقد أنه سوف لا يعرف تلك المرارة التي كان يسببها له عالم المرأة ممثلا في بعض من بنات حواء . ولكن كيوبيد شيطان مريد فلم يشأ أن يتركه بعيدا عن حواء وعن العلاقة معها ...



    فقد شاء أن يعلق قلبه بحب فتاة سمراء دعجاء العينين كانت في العشرين من عمرها وكان هو قد تجاوز الخمسين بقليل .



    كانت أحداث تلك العلاقة في عام 1939م . وهو العام الذي شُغلت الدنيا فيه بحرب طاحنة . وقد سجل العقاد قصة هذا الحب في ديوانه " أعاصير مغرب" الذي يدل اسمه على موضوعه ..ألم يكن مثل هذا الحب بالنسبة لرجل في سنه اشبه بالأعاصير التي تهب على مغرب حياة الإنسان !؟



    لذلك نراه يخاطب كيوبيد اللعين الذي بدأ يتسلل إلى نفسه بعد أن ودعها من زمن ليس بالقليل :



    نفض النعاس فؤاده وصبا *** وصحا، فمال ، فهام ، فاضربا

    ونفى السآمة بعد ما بلغت *** منه المشاش وعــــــــاود اللعبا

    وجرى الذي ماكان يحسبه *** يوما يكون ، وطالما حســـبا

    في توبة الخمسين يشــغله *** وجه ، ويمــــلأ صدره رعبـا



    ثم يخاطب تلك الفتاة الهيفاء الممشوقة القوام والتي جاوزت العشرين من العمر فيقول :



    هذا الصغير على غرارته *** يدري النفاق ويحسن الأدبا

    وتراه في العشرين مستبقا *** وتراه في الخمسين مصطحبا

    سأضمه رفقا ، وأوسعه *** برا ، وأملك قلبه حدبا

    ويقيم لا أخشى كنانته *** السهم أخطأ والحسام نبا



    لقد كان هذا الحب في نظر العقاد من عجائب الحياة لا سيما وأن الليالي قد أطفأت منه شعلة بعد شعلة . فليس من المتصور – والحال هذه – أن يومض النور ؛ نور الحب في ذلك القلب . والمعروف أن العقاد قد عاب على شاعر الألمان الكبير " جيته " حبه في سن الشيخوخة فقال له :



    ياصديقي القديم " جيتي" اعتذارا *** لك من سوء ظنتي وملامي

    كنتُ أنعى عليك حبك في الستين *** بنت العشرين ، فاغفر ملامي

    وهاهو بعد أن عاش هذا النوع من الحب يقول :



    عجبا والدهر لا يفني أعاجيب الحياة

    مفرق شاب يشب الحياة في قلب فتاة

    شرك صاد – ولم أنصبه صيّاد البزاة



    ويغدو هذا الحب عند العقاد غير مصدق لذلك يقول إن إنسانا آخر لو جاءه ليقول له ذلك لما صدقه فيقول :



    لو لسان قاله لي *** لم أصدق ما يقول

    غير أن الشوق في خديك يسري ويجول

    مزهرا بعد ذبول *** مشرقا بعد أفول

    قسم فاه به قلبك ، *** بل وحي نزل



    لقد أتى هذا الوحي إلى العقاد ونزل عليه وهو كافر بالناس شاك فيهم جميعا فيقول :

    أحوج الوحي إلى معجزة وحي عجاب

    عند قلب كافر بالناس يغلو في ارتياب

    يارسول الحب آمنت ، وفي كفي الكتاب

    طفلة تهفو إلى الشيب؟ أجل ثم أجل



    وتلمّح له السمراء بحبها له . ولكنه لا يثق فيه لما بين عمريهما من سنين ، ثم يصبح التلميح منها بعد ذلك تصريحا فيعرفه الناس ويحدث اللقاء فيقول :



    حين لمّحت تغابيت ، ولي والله عذر

    وانثنى التلميح كالتصريح والشك مصر

    ثم طاش السر حتى كاد يسعى ، وهو جهر

    وتلاقينا فماذا كان ؟ بركان جفل



    ويصف العقاد هذه السمراء بأن عباقرة الزمان قد أسرفوا في طهيها وقدموها له على مائدة الحب ، فلا يرضى لها بعد ذلك الهوان فيقول :



    مائدة أسرف في طهيها *** عشرين عاما عبقري الزمان

    أكرمنا الطاهي بها ساعة *** فكيف بالمكرم يلقى الهوان



    لقد غدت أيام العقاد حبه للسمراء كلها ربيعا مزهرا مليئا بالقبل التي أشبعت هذا الحب الرضيع فيقول :


    شد ما غذّته في نشأته ***قبلات تشبع الحب الرضيع

    سنة كانت ربيعا كلها *** بين روض يتغنى ويضوع



    لقد كان هذا الحب بالنسبة للعقاد مثل عودة الربيع في يوم خريف لأن حب الشيخوخة أعمق من حب الشباب ، ولأن أقصى أماني النفس هي الأشياء التي يعز رجوعها إلى عالم الواقع الملموس .



    ـــــــــــــــــــــــــ

    ** يتبع إن شاء الله
    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل
  • فارس الأصيل
    عضو مميز
    • Feb 2002
    • 3319

    #2
    اخي بن مرضي..

    لن اسطر مقدمة فما ستقرأه سيكون هو
    المقدمة ...... والمؤخرة
    إن الحب عصفور هارب من أقفاص القلوب
    لكنه طريد ينتظر العودة والافراج..

    تحياتي لك
    مالك
    هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
    كالبحر عمقاً والفضاء مدى
    مدونتي
    أحمد الهدية

    تعليق

    • ابن مرضي
      إداري
      • Dec 2002
      • 6170

      #3
      الأستاذ العزيز / مالك

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      الحب يا سيدي هو أكسير الحياة ، ودعك ممن يقول غير هذا ، فهو يضحك على نفسه وعلينا ، وليس له بديل إلا الكره ، أعاذنا الله وإياك منه .

      عزيزي : ألست أنت الذي تتمنى أن تعرف ما بداخلي ، ليتني استطتيع أن أكمل غراميات العقاد ، التي أحاول قراءتها في تأني ، وليتك تجد فيما بين السطور ما تنشده .

      لك تحياتي وتقديري ايها الأخ الصادق النظيف .
      كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

      تعليق

      • الفنار
        عضو مميز
        • Sep 2003
        • 653

        #4
        عزيزنا وأستاذنا ابن مرضي

        جميل أنت في انتقاء ما يبهج النفس ويسر العين

        بعد أن تنتهي هذه الفصول الماتعة

        سيكون لي مع العقاد وقفة

        سلمت لنا
        وللمنتدى
        " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

        تعليق

        • ابن مرضي
          إداري
          • Dec 2002
          • 6170

          #5
          عزيزي الفنار

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          تحياتي وتمنياتي لك بالتوفيق .

          حفظك الله فنارا مشعا يستضاء به إن شاء الله .

          ما ستجده هنا ياعزيزي هو ليس إلا قراءة مستعجلة لعنلي أستطيع إكمالها وهي من غراميات العقاد " بتصرف وإختزال " .
          كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

          تعليق

          • ابن مرضي
            إداري
            • Dec 2002
            • 6170

            #6
            تابع لما قبله .



            ورغم أن العقاد قد عاش حبه هذا راضيا ورأى أن حبيبته تريد قلبه إلا أنه كان يخاف من ذلك ويرجوها أن تدعه لأنه سوف يرى محياها فيه عندما تغيب عنه ، هذا من ناحية ، أما الأخرى فإنها قد لا تحافظ على هذا القلب لصغر سنها فيقع منها كما تقع اللعبة من يد الصغير فتنكسر إلى قطع صغيرة لا يمكن أن تعود إلى حالتها الأصلية ثانية فيقول مخاطباً إياها :



            تريدين قلبي خذيه خذيه *** رويدك ! لا بل دعيه دعيه

            دعيه إذا غبت عني أرى *** محياك فيه ، وحبي فيه

            وسر ابوح به خلسة *** وإن كنت من قبل لم تسمعيه

            فكم لعبة وقعت من يديك *** وقوعا أرى القلب لا يشتهيه

            إذا مالعبت به ها هنا *** فإني لآمن أن تكسريه



            لقد كانت السمراء أنثى بكل ما تحمل الكلمة من معاني الرقة والعذوبة والجاذبية الطاغية . تتهاوى طراوة وتذوب من فرط نعومة ؛ وقد وصفها العقاد قائلا:


            ثناياها .. ثناياها *** وهل ذقت ثناياها ؟

            وعيناها ، وياللقلب ! ***كم تسبيه عيناها ؟!

            وتلك الوجنة الخمرية السكران رائيها

            أفي الجنة يا رضوان تفاح يحاكيها ؟!





            وتلك القامة الهيفاء زانتها زواياها
            إذا ما جار ردفاها *** أقام الجور نهداها



            وفجأة يكتشف العقاد أن سمراءه لم تكن وفية لحبه ، وخاصة بعد هجرته القصيرة إلى السودان ، فما كان منه إلا أن قال فيها :


            هيا اسأليني واسمعي *** مني الجواب بلا مراء

            أوفيت لي ؟ كلا *** ولكني وفيت لك الجزاء

            وكذاك أنت وإن حلفت ** وآه من حلف النساء


            لم يعد الحب بين العقاد والسمراء خالصا ، بل أصبح يشتمل على صداقة وعداء ممزوجين لمن يشاء منهما وإن كان لا يخلو من عطاء واغتصاب . يقول العقاد :


            ما الحب من محض الصداقة يابني ، ولا العدا

            الحب فيه الخصلتان وفيه مزجهما سواء

            فيه العطاء والإغتصاب وقل على الدنيا العفاء!




            ويحاول العقاد أن يقنع قراء ديوانه " أعاصير مغرب " الذي ضمنه شعره في تلك السمراء أنه لم يستغرب تلك النهاية من تلك الفتاة الصغيرة التي لم تعرف قيمة ذلك القلب الكبير فيقول في قصيدة له بعنوان " رواية " :


            ما غرني إقناعها *** كلا ولا إمتاعها

            ماذا تخبيء طفلة *** رقت ورق قناعها

            بل غرني علم الطباع **، وللنفوس طباعها




            لقد خرج العقاد من هذه التجربة العاطفية القاسية بأشياء لا تقل قيمتها عن تلك السمراء التي لفظها قلبه ؛ فقد عرف منها أن المرأة خداعة وأن هذا السلاح هو ما تتستر خلفه في هذه الحياة الدنيا وأنه طلاء الزينة ورياضة لنفس حواء تعيش عليها وهي لا تفرق بهذا الخداع بين من يحبونها أو من يعادونها .. وجعلت تلك التجربة العقاد يؤمن بالخيانة لتلك السمراء وبذلك يكون قد أخلص إلى أغلى ما تملك من الأشياء وفي ذلك يقول :


            حلّ الملام فليس يثنيها *** حب الخداع طبيعة فيها

            هو سترها وطلاء زينتها *** ورياضة للنفس تحييها

            وسلاحها . فيما تكيد به *** من يصطفيها أو يعاديها

            وهو انتقام الضعف ينقذها *** من طول ذل بات يشقيها

            ------
            يتبع
            كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

            تعليق

            • رعــد الجنـــوب
              مشرف منتدى الشعر النبطي
              • Aug 2004
              • 4075

              #7
              استاذي العزيزبن مرضي
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              وددت ان تضيف لنا من ادبيات العقاد كيف كان يعامله تلاميذه
              حتى نعرف نحن كيف نتعامل معاك العقاد اديب فعلا ومضى
              وبقي ماكتب
              ونحن لدينا من يكتب وهو حي فلا يبخل الاحياء حتى نقرء لهم
              بعد ان يموتوا اطال الله في عمرك
              لاتبخل علينا بما تكتب انت ولا نستغن عما يكتب كل اديب سواء
              كان حيا او ميتا
              شكرا لك ابا احمد ولك التحيه

              تعليق

              • حديث الزمان
                عضوة مميزة
                • Jan 2002
                • 2927

                #8
                الاستاذ الفاضل بن مرضي
                عد إلى التاريخ لتعلم أن الخروج عن النص في الغالب يصنع العظماء ويضيىء لهم شموع اطفأها الزمان عندما كانوا مجرد ( كومبارص ) في مسرحية الحياة .. فمن يجيد الخروج عن النص في زمننا ؟؟
                همسة :
                اتهام المرأة بالخداع ليس منصفاً لها بل مجحف أيما إجحاف لا سيما في الحب ..
                لي عودة قريباً بإذن الله

                لكل بداية .. نهاية

                تعليق

                • ابن مرضي
                  إداري
                  • Dec 2002
                  • 6170

                  #9
                  الأستاذ العزيز / رعد الجنوب

                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  لعينيك ياعزيزي ،أسأل الله العلي القدير أن يجعلنا عند حسن الظن ، وأن يجعلنا لا نكتب إلا ماينفعنا يوم نقف بين يديه .

                  شكرا لك على ما تقب به على ما نشخبطه .
                  كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                  تعليق

                  • ابن مرضي
                    إداري
                    • Dec 2002
                    • 6170

                    #10
                    الكاتبة الكريمة / حديث الزمان

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                    أوافقك القول أن أغلب صانعي التاريخ قد خرجوا عن النص ، أما أنا ايتها الكاتبة الكريمة فإنني لم أخرج عن النص ، فما زلت أنقل من ديوان " أعاصير مغرب" . أما رأي فإنه لم يأتِ بعد ..! وحاشا لله أن أحكم على المرأة بالخيانة فهي أربعة أخماسي ؛ الأم ، الزوجة ، الأخت ، والبنت . وهي أم المؤمنين ، والصحابية واالمرأة التي تهز المهد بيمينها والعالم بشمالها .

                    أرتباطي بالعقاد كان من خلال مؤلفاته " عبقريات الخلفاء" التي كانت مقررة علينا في الثانوية العامة ، ولم يكن يخطر على بالي أن له غراميات كالتي أطلع عليها الآن ، ومعرفتي بأنه لم يتزوج جعلتني اتتبع سيرته ....

                    أقف إحتراما لقلمك النبيل الذي لا نعرف فيه إلا الثبات والقوة في الدفاع عن الحق وأتمنى لو تُركت لي الفرصة لكي انتهي مما كنت سأذهب إليه .
                    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                    تعليق

                    • الفنار
                      عضو مميز
                      • Sep 2003
                      • 653

                      #11
                      وعدت بوقفة كنت أريد بها بيان علاقةٍ أخرى للعقاد مع الكاتبة مي زيادة
                      إلا أني فضلت قبل ذاك أن أطرق للعقاد باباً تعريفياً
                      ولعل لنا مع الإخوة وقفات فيما بعد..

                      العقاد ،، رحلة قلم

                      تبوأ العقاد مكانة عالية في النهضة الأدبية الحديثة ندر من نافسه فيها، فهو يقف بين أعلامها، وكلهم هامات سامقة، علمًا شامخًا وقمة باذخة، يبدو لمن يقترب منه كالبحر العظيم من أي الجهات أتيته راعك اتساعه، وعمقه، أو كقمة الهرم الراسخ لا ترقى إليه إلا من قاعدته الواسعة، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من المواهب والملَكَات، فهو كاتب كبير، وشاعر لامع، وناقد بصير، ومؤرخ حصيف، ولغوي بصير، وسياسي حاذق، وصحفي نابه، ولم ينل منزلته الرفيعة بجاه أو سلطان، أو بدرجات، وشهادات، بل نالها بمواهبه المتعددة، وهمته العالية، ودأبه المتصل، عاش من قلمه وكتبه، وترفع عن الوظائف والمناصب لا كرها فيها، بل صونًا لحريته واعتزازًا بها، وخوفًا من أن تنازعه الوظائف عشقه للمعرفة.

                      وحياة العقاد سلسلة طويلة من الكفاح المتصل والعمل الدءوب، صارع الحياة والأحداث وتسامى على الصعاب، وعرف حياة السجن وشظف العيش، واضطهاد الحكام، لكن ذلك كله لم يُوهِنْ عزمه أو يصرفه عما نذر نفسه له، خلص للأدب والفكر مخلصًا له، وترهب في محراب العلم؛ فأعطاه ما يستحق من مكانة وتقدير.



                      المولد والنشأة

                      في مدينة أسوان بصعيد مصر، وُلِدَ عباس محمود العقاد في يوم الجمعة الموافق (29 من شوال 1306هـ= 28 من يونيو 1889)، ونشأ في أسرة كريمة، وتلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة أسوان الأميرية، وحصل منها على الشهادة الابتدائية سنة (1321هـ= 1903م) وهو في الرابعة عشرة من عمره.

                      وفي أثناء دراسته كان يتردد مع أبيه على مجلس الشيخ أحمد الجداوي، وهو من علماء الأزهر الذين لزموا جمال الدين الأفغاني، وكان مجلسه مجلس أدب وعلم، فأحب الفتى الصغير القراءة والاطلاع، فكان مما قرأه في هذه الفترة "المُسْتَطْرَف في كل فن مستظرف" للأبشيهي، و"قصص ألف ليلة وليلة"، وديوان البهاء زهير وغيرها، وصادف هذا هوى في نفسه، ما زاد إقباله على مطالعة الكتب العربية والإفرنجية، وبدأ في نظم الشعر.

                      ولم يكمل العقاد تعليمه بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، بل عمل موظفًا في الحكومة بمدينة قنا سنة (1323هـ= 1905م) ثم نُقِلَ إلى الزقازيق سنة (1325هـ= 1907م) وعمل في القسم المالي بمديرية الشرقية، وفي هذه السنة توفي أبوه، فانتقل إلى القاهرة واستقر بها.



                      الاشتغال بالصحافة

                      ضاق العقاد بحياة الوظيفة وقيودها، ولم يكن له أمل في الحياة غير صناعة القلم، وهذه الصناعة ميدانها الصحافة، فاتجه إليها، وكان أول اتصاله بها في سنة (1325هـ= 1907م) حين عمل مع العلامة محمد فريد وجدي في جريدة الدستور اليومية التي كان يصدرها، وتحمل معه أعباء التحرير والترجمة والتصحيح من العدد الأول حتى العدد الأخير، فلم يكن معهما أحد يساعدهما في التحرير.

                      وبعد توقف الجريدة عاد العقاد سنة (1331هـ= 1912م) إلى الوظيفة بديوان الأوقاف، لكنه ضاق بها، فتركها، واشترك في تحرير جريدة المؤيد التي كان يصدرها الشيخ علي يوسف، وسرعان ما اصطدم بسياسة الجريدة، التي كانت تؤيد الخديوي عباس حلمي، فتركها وعمل بالتدريس فترة مع الكاتب الكبير إبراهيم عبد القادر المازني، ثم عاد إلى الاشتغال بالصحافة في جريدة الأهالي سنة (1336هـ= 1917م) وكانت تَصْدُر بالإسكندرية، ثم تركها وعمل بجريدة الأهرام سنة (1338هـ= 1919م) واشتغل بالحركة الوطنية التي اشتغلت بعد ثورة 1919م، وصار من كُتَّابها الكبار مدافعًا عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، وأصبح الكاتب الأول لحزب الوفد، المدافع عنه أمام خصومه من الأحزاب الأخرى، ودخل في معارك حامية مع منتقدي سعد زغلول زعيم الأمة حول سياسة المفاوضات مع الإنجليز بعد الثورة.

                      وبعد فترة انتقل للعمل مع عبد القادر حمزة سنة (1342هـ= 1923م) في جريدة البلاغ، وارتبط اسمه بتلك الجريدة، وملحقها الأدبي الأسبوعي لسنوات طويلة، ولمع اسمه، وذاع صيته واُنْتخب عضوا بمجلس النواب، ولن يَنسى له التاريخ وقفته الشجاعة حين أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، فارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه"، وقد كلفته هذه الكلمة الشجاعة تسعة أشهر من السجن سنة (1349هـ= 1930م) بتهمة العيب في الذات الملكية.

                      وظل العقاد منتميًا لحزب الوفد حتى اصطدم بسياسته تحت زعامة مصطفى النحاس باشا في سنة ( 1354هـ= 1935م) فانسحب من العمل السياسي، وبدأ نشاطُه الصحفي يقل بالتدريج وينتقل إلى مجال التأليف، وإن كانت مساهماته بالمقالات لم تنقطع إلى الصحف، فشارك في تحرير صحف روزاليوسف، والهلال، وأخبار اليوم، ومجلة الأزهر.



                      مؤلفات العقاد

                      عُرف العقاد منذ صغره بنهمه الشديد في القراءة، وإنفاقه الساعات الطوال في البحث والدرس، وقدرته الفائقة على الفهم والاستيعاب، وشملت قراءاته الأدب العربي والآداب العالمية فلم ينقطع يومًا عن الاتصال بهما، لا يحوله مانع عن قراءة عيونهما ومتابعة الجديد الذي يصدر منهما، وبلغ من شغفه بالقراءة أنه يطالع كتبًا كثيرة لا ينوي الكتابة في موضوعاتها حتى إن أديبًا زاره يومًا، فوجد على مكتبه بعض المجلدات في غرائز الحشرات وسلوكها، فسأله عنها، فأجابه بأنه يقرأ ذلك توسيعًا لنهمه وإدراكه، حتى ينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى، ويقيس عليها دنيا الناس والسياسة.

                      وكتب العقاد عشرات الكتب في موضوعات مختلفة، فكتب في الأدب والتاريخ والاجتماع مثل: مطالعات في الكتب والحياة، ومراجعات في الأدب والفنون، وأشتات مجتمعة في اللغة والأدب، وساعات بين الكتب، وعقائد المفكرين في القرن العشرين، وجحا الضاحك المضحك، وبين الكتب والناس، والفصول، واليد القوية في مصر.

                      ووضع في الدراسات النقدية واللغوية مؤلفات كثيرة، أشهرها كتاب "الديوان في النقد والأدب" بالاشتراك مع المازني، وأصبح اسم الكتاب عنوانًا على مدرسة شعرية عُرفت بمدرسة الديوان، وكتاب "ابن الرومي حياته من شعره"، وشعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، ورجعة أبي العلاء، وأبو نواس الحسن بن هانئ، واللغة الشاعرية، والتعريف بشكسبير.

                      وله في السياسة عدة كتب يأتي في مقدمتها: "الحكم المطلق في القرن العشرين"، و"هتلر في الميزان"، وأفيون الشعوب"، و"فلاسفة الحكم في العصر الحديث"، و"الشيوعية والإسلام"، و"النازية والأديان"، و"لا شيوعية ولا استعمار".

                      وهو في هذه الكتب يحارب الشيوعية والنظم الاستبدادية، ويمجد الديمقراطية التي تكفل حرية الفرد، الذي يشعر بأنه صاحب رأي في حكومة بلاده، وبغير ذلك لا تتحقق له مزية، وهو يُعِدُّ الشيوعية مذهبًا هدَّامًا يقضي على جهود الإنسانية في تاريخها القديم والحديث، ولا سيما الجهود التي بذلها الإنسان للارتفاع بنفسه من الإباحية الحيوانية إلى مرتبة المخلوق الذي يعرف حرية الفكر وحرية الضمير.

                      وله تراجم عميقة لأعلام من الشرق والغرب، مثل "سعد زغلول، وغاندي وبنيامين فرانكلين، ومحمد علي جناح، وعبد الرحمن الكواكبي، وابن رشد، والفارابي، ومحمد عبده، وبرناردشو، والشيخ الرئيس ابن سينا".

                      وأسهم في الترجمة عن الإنجليزية بكتابين هما "عرائس وشياطين، وألوان من القصة القصيرة في الأدب الأمريكي".



                      إسلاميات العقاد

                      جاوزت مؤلفات العقاد الإسلامية أربعين كتابًا، شملت جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية، فتناول أعلام الإسلام في كتب ذائعة، عرف كثير منها باسم العبقريات، استهلها بعبقرية محمد، ثم توالت باقي السلسلة التي ضمت عبقرية الصديق، وعبقرية عمر، وعبقرية علي، وعبقرية خالد، وداعي السماء بلال، وذو النورين عثمان، والصديقة بنت الصديق، وأبو الشهداء وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وفاطمة الزهراء والفاطميون.

                      وهو في هذه الكتب لا يهتم بسرد الحوادث، وترتيب الوقائع، وإنما يعني برسم صورة للشخصية تُعرِّفنا به، وتجلو لنا خلائقه وبواعث أعماله، مثلما تجلو الصورة ملامح من تراه بالعين.

                      وقد ذاعت عبقرياته واُشتهرت بين الناس، وكان بعضها موضوع دراسة الطلاب في المدارس الثانوية في مصر، وحظيت من التقدير والاحتفاء بما لم تحظ به كتب العقاد الأخرى.

                      وألَّف العقاد في مجال الدفاع عن الإسلام عدة كتب، يأتي في مقدمتها: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والفلسفة القرآنية، والتفكير فريضة إسلامية، ومطلع النور، والديمقراطية في الإسلام، والإنسان في القرآن الكريم، والإسلام في القرن العشرين وما يقال عن الإسلام.

                      وهو في هذه الكتب يدافع عن الإسلام أمام الشبهات التي يرميه بها خصومه وأعداؤه، مستخدمًا علمه الواسع وقدرته على المحاجاة والجدل، وإفحام الخصوم بالمنطق السديد، فوازن بين الإسلام وغيره وانتهى من الموازنة إلى شمول حقائق الإسلام وخلوص عبادته وشعائره من شوائب الملل الغابرة حين حُرِّفت عن مسارها الصحيح، وعرض للنبوة في القديم والحديث، وخلص إلى أن النبوة في الإسلام كانت كمال النبوات، وختام الرسالات وهو يهاجم الذين يدعون أن الإسلام يدعو إلى الانقياد والتسليم دون تفكير وتأمل، ويقدم ما يؤكد على أن التفكير فريضة إسلامية، وأن مزية القرآن الأولى هي التنويه بالعقل وإعماله، ويكثر من النصوص القرآنية التي تؤيد ذلك، ليصل إلى أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأشياء.

                      وقد رد العقاد في بعض هذه الكتب ما يثيره أعداء الإسلام من شبهات ظالمة يحاولون ترويجها بشتى الوسائل، مثل انتشار الإسلام بالسيف، وتحبيذ الإسلام للرق، وقد فنَّد الكاتب هذه التهم بالحجج المقنعة والأدلة القاطعة في كتابه "ما يقال عن الإسلام".



                      شاعرية العقاد

                      لم يكن العقاد كاتبًا فذا وباحثًا دؤوبًا ومفكرًا عميقًا، ومؤرخًا دقيقًا فحسب، بل كان شاعرًا مجددًا، له عشرة دواوين، هي: يقظة الصباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير، وأشجان الليل، ووحي الأربعين، وهدية الكروان، وعابر سبيل، وديوان من دواوين، وهذه الدواوين العشرة هي ثمرة ما يزيد على خمسين عامًا من التجربة الشعرية.

                      ومن أطرف دواوين العقاد ديوانه "عابر سبيل" أراد به أن يبتدع طريقة في الشعر العربي، ولا يجعل الشعر مقصورًا على غرض دون غرض، فأمور الحياة كلها تصلح موضوعًا للشعر؛ ولذا جعل هذا الديوان بموضوعات مستمدة من الحياة، ومن الموضوعات التي ضمها الديوان قصيدة عن "عسكري المرور" جاء فيها:

                      متحكم في الراكبـــين ،،وما لــــه أبدًا ركوبة

                      لهم المثوبة من بنــانك ،، حين تأمر والعقـــوبة

                      مُر ما بدا لك في الطـريق ،، ورض على مهل شعوبه

                      أنا ثائر أبدًا وما فـــي ،، ثورتي أبدًا صعـــوبة

                      أنا راكب رجلي فـــلا ،، أمْرٌ عليَّ ولا ضريبة



                      تقدير العقاد

                      لقي العقاد تقديرا وحفاوة في حياته من مصر والعالم العربي، فاخْتير عضوًا في مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1359هـ= 1940م) فهو من الرعيل الأول من أبناء المجمع، واخْتير عضوًا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ونظيره في العراق، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة (1379هـ= 1959م).

                      وتُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، فتُرجم كتابه المعروف "الله" إلى الفارسية، ونُقلت عبقرية محمد وعبقرية الإمام علي، وأبو الشهداء إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية.

                      وكان أدب العقاد وفكره ميدانًا لأطروحات جامعية تناولته شاعرًا وناقدًا ومؤرخًا وكاتبًا، وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسمه على إحدى قاعات محاضراتها، وبايعه طه حسين بإمارة الشعر بعد موت شوقي، وحافظ إبراهيم، قائلا: "ضعوا لواء الشعر في يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه".

                      وقد أصدرت دار الكتب نشرة بيلوجرافية وافية عن مؤلفات العقاد، وأصدر الدكتور حمدي السكوت أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية كتابًا شاملا عن العقاد، اشتمل على بيلوجرافية لكل إنتاج العقاد الأدبي والفكري، ولا تخلو دراسة عن الأدب العربي الحديث عن تناول كتاباته الشعرية والنثرية.

                      واشْتُهر العقاد بصالونه الأدبي الذي كان يعقد في صباح كل جمعة، يؤمه تلامذته ومحبوه، يلتقون حول أساتذتهم، ويعرضون لمسائل من العلم والأدب والتاريخ دون الإعداد لها أو ترتيب، وإنما كانت تُطْرح بينهم ويُدلي كل منهم بدلوه، وعن هذه الجلسات الشهيرة أخرج الأستاذ أنيس منصور كتابه البديع " في صالون العقاد".



                      وفاة العقاد

                      ظل العقاد عظيم الإنتاج، لا يمر عام دون أن يسهم فيه بكتاب أو عدة كتب، حتى تجاوزت كتُبُه مائةَ كتاب، بالإضافة إلى مقالاته العديدة التي تبلغ الآلاف في بطون الصحف والدوريات، ووقف حياته كلها على خدمة الفكر الأدبي حتى لقي الله في (26 من شوال 1383هـ= 12 من مارس 1964م).
                      " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

                      تعليق

                      • ابن مرضي
                        إداري
                        • Dec 2002
                        • 6170

                        #12
                        الكتابة هنا أكثر راحة من الكتابة على الورق لعدة اسباب منها : سهولة التغييروالتعديل ، حفظ الموضوع حيث تستطيع العودة إليه متى ما أردت ، مايطرأ عليه من إضافات لم تكن تخطر على البال كإضافة الأستاذ الفنار هنا .


                        أكتب أحيانا لنفسي ، لبعض الأسباب الوادرة أعلاه ، ولكون أحد ابنائي قد بدأ بنقل جميع ما كتبته في المنتدى ليحفظه ويخرجه بالطريقة التي يريد ، لذلك فإنني عندما بدأت في نقل ما قرأته من غراميات العقاد هنا لم أكن أتوقع أنها ستحظى باهتمام أحد غيري . فكل ما في الأمر أنها أعجبتني .. وأردت نقلها هنا .

                        عزيزي / الفنار
                        اشكرك على هذه الإضافة الضافية التي جعلتني أردد بيت الشافعي المشهور :

                        كل ما أدّبني الدهر أراني نقص عقلي ... وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي .

                        فقد كنت أجهل كثيرا مما تفضلت به عن الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد رحمه الله .
                        كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                        تعليق

                        • حديث الزمان
                          عضوة مميزة
                          • Jan 2002
                          • 2927

                          #13
                          أما رأي فإنه لم يأتِ بعد ..! وحاشا لله أن أحكم على المرأة بالخيانة فهي أربعة أخماسي ؛ الأم ، الزوجة ، الأخت ، والبنت . وهي أم المؤمنين ، والصحابية واالمرأة التي تهز المهد بيمينها والعالم بشمالها .

                          كأني بك تشير إلى إضافة ونهاية لهذا الموضوع غير النقل الذي تدعي ...
                          أنا في انتظار البقية ولي عودة

                          لكل بداية .. نهاية

                          تعليق

                          • لا بواكي له
                            عضو
                            • Dec 2004
                            • 27

                            #14
                            اخي الفاضل بن مرضي
                            وفقك الله وزادك علما نافعا
                            واقول مقالاتك دسمة ويجب الانتظار حتي تنتهي من مقالاتك او مقالك حتي يعرف القاري مدى قيمة هذه المقالات.

                            اما الحب فلا يعرف سن او لون
                            وكما قال شاعر من شعراء من الجنوب ( من بني شهر)

                            والبنية تقول عد مرنا يا عم شايب.
                            شاب راسي وقلبي من علوم الحب ماشاب.

                            تعليق

                            • ابن مرضي
                              إداري
                              • Dec 2002
                              • 6170

                              #15
                              الأستاذ العزيز / رعد الجنوب
                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                              أشكرك على مرورك الكريم ، وما أنا ياعزيزي هنا إلا قارئا وناقلا لما يعجبني مما كتب عن العملاق عباس محمود العقاد .
                              تحياتي وتقديري .
                              ******


                              ونستمر مع الغراميات المعقّدة ، أقصد غراميات العقاد .

                              يقول الأستاذ أنيس منصور عن تلك الفترة من حياة العقاد:" كان يستكثر على قلبه العجوز أن يحب من جديد... أن يخفق بعنف وأن يجعله يقف وراء الباب ينتظر السمراء وهي تصعد السلالم واحدة واحدة وعطرها الرخيص يسبقها إلى أنفه.. وقبل أن ينفتح التاكسي أمام بيته، وقبل أن يرتد باب التاكسي مرة أخرى يكون العقاد قد فتح باب شقته وأقفله للمرة العشرين.. ويكون العقاد قد أطل من البلكونة عشرين مرة ..ثم يخفّ العقاد وهو ابن الخمسين وينزل إليها السلالم ويأخذها بيده.. أو يأخذها كلها بين أصابعه.. ويصعد بها أو تصعد به " .


                              ويروي الأستاذ الجبلاوي في كتابه في صحبة العقاد :" وكان العقاد يذكر لي وقع هذا الفراق الذي رضيه كارها فيقول لي: ماظنك برجل يحس يده وقد قطعت وفصلت عن جسمه وهو يراها بعينه بعيدة عنه ، ورغم المحاولات العديدة التي حاولتها تلك السمراء لتظل في قلب العقاد إلا أنها لم تستطع لأنه أعتصم بعقله واحتمى في كرامته فرفضها ورفض حبها .. إنها لا تعرف ماذا أصاب العقل الكبير والقلب الرقيق والعملاق المتكبر. وفضل العقاد أن يخرج من هذه التجربة كسير القلب مرفوع الكرامة ".


                              كان العقاد يضع صورة حبيبته في غرفة نومه في إطار ذهبي كبير علقه أمام سريرة . ومع تسلل ضوء الصباح إلى حجرة نومه يفتح العقاد عينيه على صورتها ، وتكون هذه الصورة في نهاية يومه آخر ما يودع من الشخوص قبل أن يسلم عينيه للرقاد في المساء ، فيبادر إلى خلعها من مكانها ويطلب من تلميذه الفنان صلاح طاهر أن يرسم له لوحة غريبة في مكانها واختار العقاد له معناها وقد تحدث العقاد عن ذلك المعنى فقال:

                              " أنها لاتحتمل غير معنى واحد : فطيرة حلوة يشتهيها الجائع والشبعان ، بل يشتهيها المتخوم والمكظوظ : وعليها صرصور وذباب يحوم ، وفي القدح الذي يفرغ عليها الحلاوة عسل يضطرب فيه بعض الذباب ويموت .. فلا يأكل من الفطيرة الحلوة على هذه الصورة شبعان ولا جوعان . بل تعزف النفس حين تراها عن كل طعام ".


                              عاش العقاد بعد ذلك يحذر الحب ولا يحاول أن يقترب منه ، واصبح حب السمراء بالنسبة له جزءاً من الذكريات وفي ذلك يقول :



                              تلك التي كنت أغليها وأذكرها ***صبحا ومسيا وفي سر وإعلان

                              قد كنت أرحم نفسي من تذكرها *** فاليوم ارحمها من فرط نسياني

                              عجائب القلب ويلي من عجائبه *** عزت نظائرها في العالم الفاني
                              كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                              تعليق

                              Previously entered content was automatically saved. Restore or Discard.
                              حفظ تلقائي
                              Insert: Thumbnail صغير وسط كبير Fullsize Remove  
                              or Allowed Filetypes: jpg, jpeg, png, gif, webp

                              ماهو اسم المنتدى؟ (الجواب هو الديرة)

                              Working...