Unconfigured Ad Widget

Collapse

"النوم مع السراب" !

Collapse
X
  •  
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6170

    "النوم مع السراب" !

    "كان يتأملها تُرضع زينب. الثدي الوردي المستدير الممتلئ يقترب من فم الطفلة . ينفتح الفم ويطبق على الحلمة . ويمتص بشبق . وتسيل قطرات من الحليب على جانبي الفم الصغير. ونظر كالمسحور . تختفي روضة وزينب . يرى أمامه بحيرة شاسعة من الحليب،يشرب منها كل أطفال العالم الجائعين . يختفي المشهد . يرى نفسه في صحراء قاحلة تغيم سماؤها ،فجأة ، وتمطر حليبا . تتحول كل قطرة بمجرد ملا مستها الرمل إلى أوزّة بيضاء تعود إلى السماء . يعود إلى الصالون الصغير . يرى ثدي روضة يتحول إلى رمانة حمراء هائلة ، يفتح باب في الرمانة ويدخل إلى قلب الرمانة ويتمشى حتى يقف أمام ينبوع يتدفق بالحليب الساخن ، يختفي المشهد ، ويرى أمامه جلجامش يناوله إبريقا مليئا بالحليب ويقول : " انكيدو ! اشرب! اشرب ! وجدت إكسير الحياة، اشرب ولن تموت ". يختفي المشهد ، ويرجعه صوت روضة إلى الصالون الصغير :
    - يارجل ! ماذا أصابك ؟ ألم تر امرأة ترضع طفلتها من قبل؟
    - لا . أعني لا أظن . أعني لا أتذكر . اعني لا .
    تبتسم روضة ، وتعيد الطفلة النائمة إلى مهدها ،تخرج الكلمات من فمه قبل أن يفكر :
    - هل بقي شيء؟
    - تنظر إليه مستغربة، ويشعر بشيء يحرق وجنتيه ، ويصمت . إلا أنها تواصل النظر إليه ، ويقول:
    - هل بقي شيء من الحليب ؟
    تضحك روضة، وتقول :
    - أنت فضولي ، يارجل ! تعال!
    - ماذا؟
    - تعال! تعال هنا !
    يقترب منها ، ويجلس على ركبتيه ، وتمد يدها ، وتقرّب وجهه من نهدها الأيمن . تضع عينه بمحاذاة الحلمة ، وتهمس :
    - انظر بنفسك !
    فجأة تضغط بيدها على النهد ، وينطلق خيط من الحليب الدافئ إلى عينيه . يتراجع إلى الوراء ، مذهولا، وهو يصرخ . تضحك روض، وتضحك. تمر قطرة حليب قرب فمه . يصطادها بلسانه ، ويتمتم :
    - جلجامش ! هل تكفي قطرة واحدة لشفائي ؟
    تصمت روضة ، وتتجهم أساريرها ، وتسأله :
    - ماذا قلت ، يارجل ؟ ماذا قلت ؟
    يصمت . ويعلو صوتها :
    - قلت شيئا عن الشفاء . أي شفاء؟! هل أنت مريض يارجل ؟!
    تخرج الكلمات من فمه ، مترددة ، متثاقلة :
    - روضة! شرد ذهني . تصورت نفسي أعيش ملحمة جلجامش . سمعت عن جلجامش؟ الأسطورة . البطل الذي يبحث عن أكسير الحياة الدائمة ليعيد صديقه أنكيدو إلى الحياة .

    بدون أن تتكلم ، تقرّب وجهه من النهد . وتتحول الحلمة إلى فراشة تطير به إلى غابة خضراء . بين الأشجار يرى جلجامش في انتظاره ، وفي يده الإبريق يشرب ، ويحس بكل قطرة تتغلغل في عروقه ، وتبث البرء معها . قبل أن يغيب عن الوعي يسمع صدى تأوهات ناعمة قادمة من مكان بعيد ".


    الدكتور يوسف إدريس ، له قصة قصيرة ، تعتبر من أحسن ما كتب في الأدب العربي في مجال القصة القصيرة ؛ طالبة جامعية ، تتفسح في ردهات الجامعة ، قريبة من مكتب عميد الكلية التي تدرس فيها ، ينظر إليها من نافذة مكتبه ، فتهتز مشاعر الفتاة العشرينية والعميد الأربعيني ، كل منهما نحو الأخر ، لدرجة لم يسبق لها مثيل .

    هنا رواية مشابهه للدكتور غازي القصيبي ، يصف فيها معاناة رجل يخضع للعلاج من مرض خطير ، يشك في شفائه (السرطان ) ، يلتقي في آواخر أيام مرضه بفتاة من أجمل ما خلق الله ، تصغره بنصف عمره ، صدفة كانت تقرأ في رواية لم تعرف انها له : " النوم مع السراب" ،. يتعلق كل منهما بالآخر ويهيم به إلى درجة لا توصف رغم ظروفهما المختلفة ، فهي متزوجة ولها طفلة وهو مريض وعلى وشك الموت .. الخ الرواية.


    في عطلة الحج هذا العام ، حصلت لي فرصة فريدة ، انقطعت في شاطئ منعزل عن العالم ، لم يكن في صحبتي إلا ما اخترته من كتب ، قرأت ما تيسر منها ، غير أن أجمل ماقرأت من ناحية الأسلوب والخيال هو المقطع الذي دونته أعلاه .

    يلاحظ أن القاسم المشترك عند الدكتور يوسف ادريس والقصيبي وقبلهما الرافعي ، هو الفرق الواضح بين سن الرجل والمرأة ، ياترى ، هل هو تسلية أم تعزية ؟!

    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل
  • ابوزهير
    عضو مميز
    • Jan 2003
    • 2254

    #2
    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقطع الذي أوردتاه فيه خيال وتصوير عجيب, مع العلم أني مقل جدا في قراءة الروايات ,تستهويني روايات الخيال العلمي احيانا,وهناك روايتان أتمنى أن تقرأهما ربما ستجد خيالا واسعا, ولو أني قرأت على عجل, الاولى اسمها آلة الزمن(The Time Machine).موجوده بالعربية والانجليزية,والاخرى لمصطفى محمود اسمها (العنكبوت).
    يارفيقي مد شوفك مدى البصر
    لايغرك في الشتاء لمعة القمر
    الذي في غير مكة نوى يحتجه
    لاتغدي تنصب له الخيمة في منى

    تعليق

    • ابن مرضي
      إداري
      • Dec 2002
      • 6170

      #3
      الأستاذ العزيز / ابو زهير

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      شكري لك بلا حدود على مرورك وتعليقك واهتمامك .

      سيدي الكريم ، أنا أقرأ الرويات هروبا من الجفاف من مواد الأختصاص الجافة ، فقد مللت من الجمود ، وقد اطلعت على رواية الفيلسوف مصطفى محمود وسأحاول الإطلاع على آلة الزمن إن شاء الله ..


      شكري لك مرة أخرى .
      كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

      تعليق

      • فارس الأصيل
        عضو مميز
        • Feb 2002
        • 3319

        #4
        أستاذي الكريم ..
        مقطع هنا ومقطع هناك وبركة هنا ومسبح هناك واد هنا ومنتجع هناك لا ألومك ولا أقول لك رأي فطالب مثلي لا يزال يحتاج الكثير لاسيما وقراءاتي لا تتعدى بعض الكتب والكتيبات وما هذا إلا أني من جيل محطم فهو ما بين اللهو واللعب وما يتخطفه من جدية هنا أو هناك ولذلك كما يقول لي أحدهم كلما تحدثت عن الحياة والتجارب وكلما كرست نظرياتي المعهودة أن بدري عليك فأنظر لنفسي لأتأمل هل صحيح أن ما بعد الزواج مرحلة وما بعد الأربعين مرحلة أخرى ..
        إن الخيال واسع يا أستاذنا لكن أين من يذهب مع هذا التوسع والجفاف يملأ الدنيا بدءا من الآبار وانتهاء بالمشاعر صدقني يا أستاذنا أني عقدت العزم على مواصلة المسيرة وقد حددت خططا لذلك لكني لا أخفيك أنني أخاف أن أفشل وتصبح نظرياتي على شكل أفكار محترقة وبنات أفكار منتحرة

        فلله درك كم من دروس أخذتها منك فوضعتها في تحت إبطي ممسكا بها جيدا حتى لا ينتزعها أحد وكم أشتاق للمزيد ولكنك وأبا زهير لا زلتما تختزنان الكثير وإني أبحث عن مثلك ومثله وغيركما قلة مما يستهوون أمثالي ..

        تحية إعجاب وإكبار
        هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
        كالبحر عمقاً والفضاء مدى
        مدونتي
        أحمد الهدية

        تعليق

        • ابن مرضي
          إداري
          • Dec 2002
          • 6170

          #5
          الأستاذ العزيز / فارس الأصيل

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

          يا استاذنا العزيز أحمد : اسعد الله جميع أوقاتك . هناك من رأى أنني خرجت عن الحدود بما كتبته أعلاه ، وقد هاتفني بهذا ، فجئت أنت لتبدي أعجابك ، لذلك فإنني أشكرك وأقدر لك هذا الجبر لخاطري . فقد جاء في وقته المناسب .

          تحياتي لك يايدي العزيز .
          كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

          تعليق

          • السوادي
            إداري
            • Feb 2003
            • 2219

            #6
            جميل والله ما قرأته ، لكن لا تصلح لمتلقٍ حاله كحالنا ..
            فمثلك يعلم أن عقولنا لا تريد أن تخرج من الحيز الضيق رغم المتسع الذي يحتوى انطلاقها ..
            تحمل يا أبا أحمد تحمل وكثف ومن يدري فربما تُحل على يديك العقدة ..
            السوادي

            تعليق

            • محمد عيضه
              شاعر
              • Jan 2004
              • 531

              #7
              العزيز ابن مرضي

              اعتقد ان مشهد الام وهي ترضع طفلها من اجمل المشاهد الحميمية التي يراها الانسان


              هو مشهد ملهم

              اعتقد ان كاتبها اجاد في الحبكه والانتقال من مشهد الى مشهد

              هل من مزيد



              لك التحية
              بلا وطن او حب عايش..هكذا !
              mohd3z@hotmail.com

              تعليق

              • الفنار
                عضو مميز
                • Sep 2003
                • 653

                #8
                أستاذنا ابن مرضي

                إن رحلة العقل مع الخيال بعيداً عن واقع الآلام لهو أنجع علاجٍ رأيته
                رحلةٌ تأخذها النفس مع أشخاص رواية، تحلق معهم وترحل، وتنتقل من عالمها لعالمهم
                هكذا آخذ الرواية وألمحها، إضافةً لمعرفة المؤلف من خلالها، معرفة أسلوب وأدب، ومعرفة فكرٍ ورؤية
                ...

                وقفت مع كلماتك الأخيرة عن ترابط إدريس والقصيبي والرافعي
                وبدأت بفلترةٍ عقليةٍ بين مئات الروايات التي قرأتها لأتذكر ملامح الثلاثة عن قرب

                أما القصيبي
                فرحلاتي مع دواوينه وأشعاره أكثر منها مع رواياته
                ولست أذكر من رواياته إلا " همام بوسنين" وقد بحثت عن " العصفورية" فلم أجدها محليا
                ويوسف إدريس روائيٌ مكثر، وآخر ما قرأت له رواية " الحرام" ومجموعة قصص " جمهورية فرحات"
                أما عن الرافعي فهو صديق المكتبة، ومن يصاحبها زمناً
                ولكننا لا نقول عن الرافعي أنه روائي، فهو شاعرٌ وكاتب، أما القصة فلم يأتها إلا في سبيل المقالة أو الفلسفة
                تماماً كما في " رسائل الأحزان" وأخواتها، وكما نلمح في بعض مقالات " وحي القلم"
                ولم يكتب لذات القصة أبداً

                وقد نظرت لما ذكرته عن الرابط بينهما أعلاه
                فوجدته – عند ادريس والقصيبي- يلد ربما أحياناً ولكننا لا نقول باضظراده أو حتى بغلبته
                أما عند الرافعي وأظنك تشير لـبطل وبطلة " رسائل الأحزان" و" السحاب الأحمر" و" أوراق الورد"
                وهنا لا أظن الرافعي اهتم بالعمر كداعٍ للهجر أو الوصل، بل هو لم يجعل للماديات سبيل
                فالحب فيها كما يقول حباً ( عقلياً) يجعل القارئ لا يلتفت لما يلتفت له عادةً كالسن واللون والجنس وسواها
                ولكن ابن مرضي أبى إلا الإلتفات

                ولعل أستاذي في فارق السن للروائي ملجأً
                إذ أنه يستطيع به تفسير الهجر أو حتى الحب، ويستطيع به تبرير الخيانة أو التعلق
                فهو سلاحٌ ذو حدين، ولا يلزم الكاتب لكثير تعليل ولا تفسير، ولا غوصٍ للأعماق ولا تبرير
                وقد طرأ لذهني الآن أن إحسان عبدالقدوس روائي السرير والخيانة
                قلما وقلما يأتي في رواياته العديدة لمسألة فارق السن ويجعلها منطلقا، وإنما يعتمد على تفسيرات وتأويلات أخرى
                ولعل في تخصصه كطبيب نفسي متكأً يستند عليه
                وأعترف أحياناً أنه يأتي بتفسيراتٍ شاذة، وأحياناً منفرةً مزعجة، وأحياناً خياليةً غير مقنعة
                مع إيماننا بأن جعبة الحياة حبلى بالكثير

                لك التقدير أستاذي
                فقد حركت أحرفي بعد سبات
                " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

                تعليق

                • أبو صخر
                  عضو نشيط
                  • Feb 2004
                  • 413

                  #9
                  فن الروايه

                  خروج من الواقع إلى عالم الخيال ... إلى الحريه المطلقه ... أحلق عالياً .. أستنطق من أشاء .. والجم من أريد ..

                  والروائي إذا كان ناقماً على عدم إستطاعته عمل أشياء في واقعه .. لجأ إليها كمتنفس يدلف من سدتها الأماميه دون .. وجل .. فهي الحريه في الكلام مع من أريد من الشخوص الذين يحاورهم كيفما شاء بدون قيود ...

                  ولنا في بنات الرياض عبره .... فقد قدم لها القصيبي مدحاً مستغرباً من أديب مثله ... نحو تلك الروايه التي جعلت فتاة الرياض تدوس على كل ماهو أخلاقي ....


                  شكراً لك على ذائقتك المتوهجه .... وأدامك الله لهذا المنتدى .... ذخراً ..
                  علي أبونواس

                  تعليق

                  Previously entered content was automatically saved. Restore or Discard.
                  حفظ تلقائي
                  Insert: Thumbnail صغير وسط كبير Fullsize Remove  
                  or Allowed Filetypes: jpg, jpeg, png, gif, webp

                  ماهو اسم المنتدى؟ (الجواب هو الديرة)

                  Working...