Unconfigured Ad Widget

Collapse

من دفتر الذكريات (3) [ رحلة إلى الأندلس] .

Collapse
X
  •  
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6170

    من دفتر الذكريات (3) [ رحلة إلى الأندلس] .

    تجاوبا مع طلبات بعض الأعضاء الأعزاء سأحاول نقل بعض ذكرياتي في بلاد الأندلس ، لعلهم يجدون فيها فائدة أو متعه ولو بتصيّد أخطائي ومحاولة كشف أوراقي ! فذلك لهم ، فقد أصبحوا أغلى عندي من ذكرياتي .


    في شتاء عام 1987 وصلت إلى مدينة أشبيلة التي تعتبر حاضرة أقليم الأندلس وعاصمته .
    كنت قد سكنت في فندق ضخم يتوسط هذه المدينة الفريدة ، وما أن حل الليل حتى سمعت الموسيقى التي صاحبها غناءً لم يكن غريبا على أذني ، فذهبت مسرعا ناحية القاعة مصدر الصوت ، ولم أجد أثرا لأي عربي ، فشككت في نفسي ، وما أن عدت إلى مكاني الا وانا أسمع نفس المفردات التي سمعتها سابقا ،تأكد لي فيما بعد انها رقصة خاصة بهذه المدينة تدعى " الرقصة الأشبيلية" [ سفليانوا] نسبة الى أسم المدينة باللغة الأسبانية ( سفييل) الا أن الكلمات التي تغنى في هذه الرقصة الصعبة التي لايستطيع أداءها غير أهلها ( حاولت وحاول أهلها تعليمي لها بصفتي عربي، ولكنني لم أستطع إجادتها ) كلمات عربية حرفت جزئيا إلى اللغة الأندلسية ، لايكاد المرء العربي أن يسمعها حتى يندفع إليها مسرعا لظنه أنها عربية خالصة .وهذه الرقصة كانت معروفة عند العرب في أيام (الوصل بالأندلس ) في مواسم الحصاد ولا تزال من أهم أثارهم . وأذكر منها بعضها مثل : معتمد يامعتمد يامعتمد .والمقصود هو المعتمد بن عباد الفارس الذي سأعود اليه ان شاء الله .


    مرّت علي الأيام سريعا وانا أزداد سعادة بما أعرفه مع الأيام عن هذه المدينة التي لم أكن أعرف عنها الكثير قبل وصولي إليها ، الا أنني سرعان ما غادرتها إلى المدينة التي كنت أعرف عنها نسبيا الشيء اليسير ، فركبت السيارة وتوجهت إلى الشرق عبر الطريق التي تشق حقول القمح والزيتون في مناظر لا أجمل ولا أحلى :


    ياأهل أندلس لله دركم .. ماءٌ وظل ٌ وأشجار وأنهار .


    وصلت إلى مدينة غرناطة التي طالما سمعت عنها حيث كانت آخر عاصمة سقطت من المسلمين ومعها خرج العرب من الأندلس كما تعلمون .

    كان إبن الأحمر قد أتخذها عاصمة لمملكته التي شكلها بعد وفاة منافسه إبن هود والتي كانت تضم غرناطة ومالقه وبعض أجزاء الأندلس الجنوبية ، وقد بنى فيها قصر الحمراء العظيم الذي يعتبر أهم أثر تركه العرب في أسبانيا ، والذي لازال باقيا إلى اليوم كتحفة تمجد دور العرب المسلمين وإبداعهم المعماري الباهر .


    لم أصدق ماكانت تراه عيني من الأبداع الهندسي الفريد ،فقد بني القصر على ربوة مرتفعة عن المدينة وتشرف عليها ، تتكيءالربوة على جبل" سيارا نيفادا " الذي يكسوه الثلج معظم أيام الشتاء ، فإذا مادخل المرء غرناطة من الجنوب الغربي فإن منظر القصر مع خلفية الجبل الأبيض والمدينة الخضراء التي تحته تجعله يفتتن بالمنظر الذي يرتسم في مخيلته الى الأبد .



    قصر الحمراء وجنات العريف التي تقابله في الربوة الأخرى لايوجد لهما مثيل في العالم ، ولن أطيل عنها الكلام لأعود بكم اليها لاحقا ، بعد أن ننتهي من محطة وصولي الأولى " أشبيلية " .



    عدت إلى أشبيلة التي أتخذها " الموحدون " عاصمة لهم ، وجهدوا لجعلها في مصاف العواصم الكبرى، فشيدوا فيها عدداً من المعالـم الحضارية، التي كان من أهمها الخيرالدا أو (المئذنة) التي بدأ ببنائها أبو يعقوب يوسف سنة 1172م، وتابع ابنه أبو يوسف يعقوب المنصور بناءها من بعده.

    لم أصدق ماكان يقوله لي صاحب العربة التي أستاجرتها للتعرف على المدينة عندما كان يشرح لي عن المئذنة "الخيرالدا" وظننته أما يكذب عليّ أو أنني لم أفهم مايقول ، حيث كان يحاول أفهامي بأن المؤذن كان يظهر إليها على ظهر حصانه عندما يأتي وقت الأذان .


    دخلت إليها ووجدتها شيئا عجيبا ، فهي تتدرج على شكل ميول بسيط إلى الأعلى ، لايوجد فيها درج ، عرض طريقها حوالي متر ، في كل لفة تجد برجا قد صمم بشكل هندسي يساعد على توفير الضوء ، ويعمل على توفير الهواء وكأن به مروحة ضخمة . صدّقت عندئذ كلامه بل كِدْت أرى أثر حوافر خيل المؤذن ورائتحه ، عندما وصلت إلى أعلى المئذنه لم أتمالك نفسي ، فرددت "الله أكبر "بصوت عالي الا أنه يختلف في درجة قوته كثيرا عن صوت مؤذن "الموحدون ".

    أصبح المسجد الذي به المئذنه وللآسف الشديد ثاني أكبر كنيسة في أوربا بعدما هزم القشتاليون العرب المسلمين وأخرجوهم من أشبيلية .


    لاتخرج من المسجد ومئذنته الا وترى " برج الذهب " الذي شيده "الموحدون" على ضفة نهر الوادي الكبير ، الذي شيد لمراقبة حركة الملاحة والدفاع عن المدينة كمعلم حضاري فريد ، وقد سمي بهذا الأسم لأنه كان مطليا بالذهب ليتمكن الملاحون من رؤيته عندما يأتون من الغرب فيرونه عندما تلمع فيه الشمس من مسافات بعيدة .

    ما إن أكملت جولتي في المدينة حتى شعرت بإنني واحد من أهلها !
    أهلها أناس طيبون ، يحبون الحياة ، يسهرون الليل حتى الصباح ، يمشون كثيرا ولايأكلون الخبز الا قليلا ، يحبون الرقص والغناء ، لافرق بينهم حيث ترى عجوز في السبعين من عمره تراقصة فتاة في الثامنة عشر وقد يكون جدها أو أحد اقربائها .


    دخلت إلى بيوتهم فوجدتها قد تزينت جدرانها بآيات من القرأن الكريم ، تفاجأت عندما سألتهم عن معانيها فوجدتهم لايعرفون الا أنها زخرفة هندسية من آثار العرب .


    أكلاتهم لاتبتعد كثيرا عن أكلات العرب ، وهناك أكلة مشهورة بإسم " البقية " وهي عبارة عن خليط من الأرز والسمك والدجاج ، وهي ماكان يبقى خلف العرب على سفرهم العامرة ، فيقال أعطو البقية إلى المحتاجين ! فوجدوها لذيذة وأحتفظوا بمكوناتها فبقيت أكلة من أشهر مأكولاتهم .


    ذهبت إلى جامعة أشبيلية ، التي تعتبر ثاني أقدم جامعة في أوروبا ، لكي أتعلم اللغة الأسبانية ، ووجدت فيها قسم يختص بتدريس اللغة العربية يرأسه دكتور عراقي إسمه كاظم ، ساعدني وأحتفى بي ايما إحتفاء.

    [ سنبقى في إشبيلية ، فابقوا معنا غذا رغبتم ,اعطانا الله عمرا .... ]

    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6170

    #2
    إستدراك للتصحيح:


    ورد إسم مدينة " قرطبة " في الفقرة التي تبدأ بـــ " وصلت إلى قرطبة "والمقصود هو مدينة غرناطة ، وانا غالبا ما أخلط بين أسم المدينتين مع معرفتي الأكيدة بما أعنيه .


    كما وردت كلمة ( غذا ) في السطر الأخير والمقصود هو " إذا" وهي غلطة مطبعية فالألِف المقصودة هي على نفس مفتاح حرف الغين الذي جاء هنا خطاءاً .

    أرجو المعذرة .
    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

    تعليق

    • حديث الزمان
      عضوة مميزة
      • Jan 2002
      • 2927

      #3

      الاستاذ الفاضل بن مرضي


      الحديث عن الاندلس ذو شجون خصوصاً مع اسلوبك الأخاذ ... وكأني بك تبث لنا صوراً حية عن تلك الذكريات التي حفرت في ذاكرتك منذ عام 1987 ..


      لي ميول كبير جداً لمثل هذه الأدبيات التي تحاكي تاريخنا القديم وشواهده التي لا تزال تئن حنيناً لذاك الزمان الغني بأهله ...


      وتطربني كثيراً تلك الأسماء ( الأندلس ، إشبيليه ،قرطبة ، غرناطه ) فهي بحق أسماء رنانة .. رائعة وجميلة بجمال طبيعتها ..



      أخي الكريم لي وقفات مع اطروحتك الرائعة ... وعندي تساؤلات كثيرة .. أرجو أن يتسع وقتك لها ...



      سأعود قريباً بإذن الله إلى الموضوع ولكن بعد إعادة ترتيب أوراقي التي بعثرتها العاصفة .




      مع وافر التقدير

      لكل بداية .. نهاية

      تعليق

      • عبدالله رمزي
        إداري
        • Feb 2002
        • 6605

        #4

        أخي الفاضل/ عبد الله بن مرضي
        أسعدك الله في كل خطوة تخطوها فقد خطوت بنا وانتشلتنا من همومنا الجاثمة على صدورنا إلى جمال الطبيعة وسحرها والى ذكريات المسلمين في فتوحاتهم الإسلامية التي لم نستطع الحفاظ عليها فأصبحت تراث لحضارات سادت ثم بادت.
        ( حقول القمح والزيتون في مناظر لا أجمل ولا أحلى )
        هنيئاً لعينيك التي شاهدت تلك المناظر وقدميك التي سارت بين تلك الحقول .

        يا زمان الوصل بالأندلس
        غر ناطة وقصر الحمراء واشبيليه لم نشاهدها على الطبيعة ولا اعتقد ذلك خصوصاً بعد الأحداث الذي صعبت السفر خصوصا على........!
        لكننا قرأنا عنها في الكتب والتواريخ والحقيقة أن بعض ماكنا نقرأه لم نكن نتوقع أنه حقيقة ولكن الآن ترسخت تلك المعلومات من شاهد عيان ( ينظر بعيوننا ويصف بألسنتنا).

        سوف انتظرك هنا أمام الجهاز حتى تفرغ من اشبيلية ولا تنسى من ذكرياتك شيئاً

        سلمت لنا ياسمي
        عبد الله رمزي
        ما كل من يبعد به الوقت ناسيك ... بعض البشر قدام عينك وينساك

        تعليق

        • ابن مرضي
          إداري
          • Dec 2002
          • 6170

          #5
          أعزائي
          لاأملك الا أن أستجيب لطلباتكم وأُنفذ رغباتكم ، فإن وجدتم مايفيد فالحمد لله وإن غير ذلك فاللوم على "جماعة طرف الجناب "فهم الذين بدأوا بإستفزازي ...!!

          إذا كان شاعر اليمن العظيم عبد الله البردوني قد قال عن صنعاء :


          ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي ...مليحةٌ عشِقاها السلّ والجرَبُ.

          فماذا أقول لكم انا عن أشبيلية ؟ التي لم يعشقها لاسلٌ ولا جربٌ مع مافيها من جمال !
          هل أحكي لكم عن مدينة الثقافة والفن والشعر والأدب .أم أحكي لكم عن تمازج الثقافة العربية والأسبانية .
          أأحكي لكم عن عن المجد أم عن اللإنكسار ؟ عن الإخلاص أم عن الأغتيالات والخيانة ؟أم عن قصة الحب الخالدة بين ملكها البطل الشهم المعتمد إبن عباد وإعتماد الرميكية ؟ .


          تتزاحم الذكريات عن تلك المدينة في مداعبة فكري ، حتى لم أعد أميز أيها اقرب مني كما يقول الشاعر .

          كنت في عنفوان شبابي أتفجر حيوية وحياة ، لاأهتم بشكلي ولا أقف أمام المرآة ، فلدي من الثقة بالنفس آنذاك مالم يقف أمامه الا ذكرى الإنكسار العربي من الأندلس التي أتيت إليها فارغا من كل شيء حتى من المعلومات عنها ، ولم يدر بخلدي أنني سأتعرض لإنكسار أكبر وأشد وافضع ، سأُساهم فيه أنا وجيلي لأراه عيانا بيانا ، وليس تاريخا وذكرى .

          كنت قد أعفيت شعر رأسي من المقصات والأمواس(لكثرة ماعانيت من قصه وحلاقته ) فأصبح كثيفا غير مرتبا أعطاني شكل شجرة من أشجار برتقال أشبيلية !!



          الم أقل لكم ستتزاحم عليّ الذكريات ، فلم أعد أعرف من اين ابدأ !
          آلِفْتُ مدينة أشبيلية وآلفت أهلها الذين تشم رائحة طيبة أخلاقهم عن بعد كما تشم رائحة أشجار البرتقال الذي تزينت به شوارع أشبيلية ، كنت أمشي في شوارعها وأزقتها الضيقة بلا تعب ولا كسل ، وكثيرا ما أوقفت السيارة جابنا لأنطلق حتى لا أكاد أعرف المكان الذي أوقفتها فيه .


          أهلها كما ذكرت لكم يحبون الحياة ويعيشونها في أُسرٍ لم تفرقها الحضارة ولم تغيرها التقنية ، فهم يجتمعون دائما في مقاهيها ومطاعمها على شكل مجموعات كبيرة كل منهم يعرف الآخر ، تلك المقاهي التي لاتفصل بين الواحدة والأخرى الى واحدة ثالثة ، تتشابهان في تصاميمها وتختلف تماما في محتوياتها ، متشابهه ومشتبهه ، إذا لم تكن تعرف شيئا يميز المقهى الذي تريده فإنك حتما ستجلس في مكان غير الذي تريد .


          يسهرون أهل إشبيلية في الإجازات الأسبوعية وفي المناسبات على شكل زمر وجماعات ، يحبون سماع الموسيقى الأنجليزية على الرغم من عدم معرفتهم بكلماتها . يرفهون عن أنفسهم بأناشيدهم والعابهم ورقصاتهم المميزة : الفلمنكو والرقص الأشبيلي ، إذا بدأت مجموعة من المحترفين فيهم بممارسة إحدى تلك الرقصات ذات الكلمات العربية واللحن الشجي ، نسيت نفسي وبرد شرابي إذا كان حارا ، وأحتر إذا كان باردا ، وأنا لا أعبأ بأي شيء حولي .تعصرني مرارة الذكرى فأشك في نفسي وأتهمها بالخداع وأسالها بغباء :هل لي بهذا التاريخ إرتباط ؟


          مكثت في فندقها الذي ذكرته ثلاثة أشهر ، تعرفت على كل من يعمل فيه من المدير إلى اصغر عامل فيه ، تعرفوا عليّ ايضا حتى أصبح أكثرهم معلما لي في اللغة ، فلا يراني أحدهم الا ويذكرني كلمة كنت قد سألته عنها أو يُحفّظني كلمة أخرى جديدة .


          يحفظون الودّ ويبحثون عن الصداقة ، عدت إليها بعد عشر سنوات بصحبة عائلتي وفاجأوني وفاجأوا أبنائي باستقبالهم !! تفاجأت بوجود نفس الأماكن ونفس الأشخاص الذين عرفوني بمجرد رؤيتي ، عرفوني وفتحوا لي أبوابهم ، وأصبحوا يباشرون علينا بالمرطبات والوجبات بدون مقابل ، وهناك من زملائي من كان حاضرا وشهد على هذا وأستغربه ، ومنهم من تحدث به وسجله . فبعد عشر سنوات يجد المرء من يعرفه ويحتفي به ، في عالم يتغير مع تغيير عقارب الساعة مكانها .



          الدهيسة والمعتمد هما أشهر مطاعم هذه المدينة ، عندما رأيت العنوان" الدهيسة " وقفت كما وقف كثير عزة عند ربعها ، وطلبت من مرافقي كما طلب كثير عزة من خليليه ، الا أنني لم أطلبه أن يبكي ؛ بل يأخذني الى المطعم ، ففقد كان للأسم عندي وقع غير عادي ، ولم يخيب ظني فقد وجدته إسما عربيا ،وموقعا عربيا ، ويتكلم العربية " الأرض بتتكلم عربي "!!
          أما عن المطعم المشهور الآخر المعتمد بن عباد فإنني لن أتحدث ، فلا ينفع عنه الحديث ، حيث لابد أن تكونوا معي لترون هذا البطل الذي يحكي هذا المطعم قصته ويبكيه منذ نُفِيَ - على يد يوسف بن تاشفين الى إغمات في المغرب - إلى وقتنا الراهن .


          المعتمد بن عباد ؛ كنت قد وعدتكم أن أتكلم عن هذا الفارس الذي أخبرنا أنه هو آخر الفرسان ، عندما كان مسجونا في سجنه بإغمات حيث كان يقول حسب ماجاء في مسرحية منصور الرحباني التي تستعيد أمجاد العرب في الأندلس !!!!

          يأ أهل العرب ..... أنا واحد منكم
          أنا آخر نصر ..... وآخر شاعر
          واللي خسّرنا ..... أنا سكرنا
          بمجد الماضي ..... ونسينا الحاضر
          بكره إذا تلاقينا ..... بالزمان اللي جاي
          وأنكتبوا التــــــــــــــــــــــــــــــواريخ
          إن شاء الله نكون تحررنا ... من ماضينا وصرنا
          عرب المستقبل ... مش عرب التاريخ .


          ألم أقل لكم أنني لا أعرف كيف أبدأ ، ولا غرابة فقد كنت أحتار وانا في إشبيلية ؟ إلى أين أذهب ؟ ومن أين أبدأ ؟ فكلها الأماكن مغرية ، وكلها الأجواء مناسبة ، لكن تعالوا لنذهب إلى ضفة وادي النهر الكبير ، حيث كان المعتمد قد ذهب ذات يوم إلى ضفته في رحلة صيد ومعه وزراءه الأدباء والشعراء ، حيث كان لايستوزر الا من له موهبة في الشعر والأدب بالإضافة إلى مقدرته الوزارية .

          عندما نظر إلى النهر وقد هبّ عليه الصبا حتى صنع أصدافا عجيبة ؛ أنشد قائلا:

          صنع الريح على الماء زرد (في رواية زبد) .

          وطلب من وزيرة إبن عمار أن يرد على البيت إلا أنها سبقته فتاة كانت تصيد بالقرب منهم حيث قالت :

          أيّ درع لقتال لو جمد .


          أعجب بها المعتمد وبسحر جمالها وبمقدرتها الشعرية فطلبها للزواج وأصبحت زوجته وأم أولاده وملكة أشبيلية . لم يرق ذلك لوزيره الشاعر السياسي المحنك إبن عمار وأعترض على زواج الملك الشاعر البطل المجاهد من جارية تعمل خادمة في الغسيل .

          لم يأبه برأي وزيره المعتمد وبنى لها قصرا بالقرب من النهر ، لايزال مزارا للسواح إلى يومنا هذا ، يدر على الأسبان مبالغ طائلة على مدار السنة ، إسمه " القصر " وباللغة الأسبانية " الكثر" قد كتب عليه القرأن كاملا ، تجده عندما تدخل على اليمين في أول حجرات القصر ويستمر معك في الطريق الذي رسم للسواح حتى تخرج من أخر حجرة فيه . يغمرك السرور ، ويكاد يصل بك إلى حد الغرور ، وأنت تتجول في حجرات هذا القصر وساحاته وتقرأ تاريخه ، هنا كان الملك يستقبل الناس ليحكم بينهم ، هناك مجلس الوزراء وهنالك مجلس الأدب والشعر والسمر ، غرف وشرفات وأسقف لايوجد لها مثيل ، قد نُقشت وزُخرفت بشعار الأسلام " لاإله الا الله محمد رسول الله ".


          تستمر كذلك مسرورا ومفتخرا حتى ترى اللوحة التي تحكي قصة إستسلام المسلمين : تصوير مبالغ فيه بالوان غامقة على لوحة كبيرة جمالها يزيدها قبحا كلما أمعنت فيها النظر ؛عرب مسلمون خاضعون جاثمون على ركبهم عند أرجل الأسبان النصارى . تتوارى خجلا وتتقهر إلى الوراء وتتحسس في أعين الحاضرين شماتتهم وسخريتهم وإستهزاءهم ،تتلبسك حالة الأكتئاب وتعتصرك مرارة الهزيمة ، تتمنى أن لم تكن قد دخلت هذه الغرفة ، وتقترح تغيير مسار الزوار حتى لايرى أحد غيرك هذه اللوحة ، ولكن هيهات .


          كانت إعتماد الرميكية قد تمنت يوما من الأيام أن تخرج إلى النهر لتلهو وتلعب مع قريناتها بالطين والوحل ، فلبى المعتمد طلبها ولكن على طريقته ، حيث أمر بتخصيص مكان لها في القصر شبيها بضفة النهر على أن يكون الوحل الذي في القصر إصطناعيا معجونا بماء الورد والمسك وخليط من الروائح الزكية الأخرى .عُرِفت الغرفة بغرفة المسك ، وللمسك قصة أخرى عجيبة فعندما زارته إعتماد مع بناته عنمدا كان مسجونا في إغمات تخبره عن سوء حالها وتندب حظها العاثر ! سألها ألم تكوني سعيدة في يوم من الأيام ؟ وعندما أجابت بالنفي ؛ قال لها : ولا حتى يوم السك !! .



          سنعود إلى المعتمد بن عباد وقصره ونفيه إلى إغمات إذا شاء الله . فأنتظروناإذا أردتم .
          كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

          تعليق

          • أبو ماجد
            المشرف العام
            • Sep 2001
            • 6289

            #6
            سننتظرك ...سننتظرك يا أبا أحمد وبكل اشتياق.

            كيف لا ننتظر من أخذنا معه إلى الفردوس المفقود ؟

            أعدتني يا عبدالله إلى الوراء إلى ما قبل خمس وعشرين سنة أو يزيد عندما كنت أتابع استطلاعات مجلة (العربي ) وأعيش من خلال قراءاتي في تلك الديار التي تستطلعها .

            ولكن والحق يقال ، والله لوجدت أسلوبك يتفوق على أسلوب كتّاب تلك الاستطلاعات ، فقد صوّرت لنا بريشة فنان ما شاهدته عينا فنان ، وجعلتنا نعيش في تلك الأجواء ، بل ونتعايش مع المعتمد بن عباد واعتماد الرميكية ، وشعرنا بنفس شعور الألفة الذي شعرت به عندما استقبلك موظفو الفندق الذي غبت عنه عشر سنوات بذات الشعور.

            بكل تأكيد لا نلوم أولئك الموظفين ، فقد ألفناك ياعبدالله ونحن لم نشاهد وجهك الكريم ، فكيف بمن شاهدك واستمع إلى حديثك الذي لا أعتقد أنه يقل جاذبية عما تكتب .

            سننتظر يا أبا أحمد ... بارك الله فيك وأمدك بالصحة والعافية ومن تحب .

            أخوك : أبو ماجد

            تعليق

            • ابن مرضي
              إداري
              • Dec 2002
              • 6170

              #7
              وجدت من يتصفح هذا الموضوع ففتحته فأغرورقت عيناي ....!
              كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

              تعليق

              • قينان
                أدعو له بالرحمه
                • Jan 2001
                • 7093

                #8
                أخي العزيز بن مرضي

                لقد سررت بما دونه يراعك عن هذه الذكريات فلكم من ذكريات لايمحاها الزمن مهما تقادم
                لقد ذهبت إلى غرناطة من مدريد وفي ذلك الطريق الذي يزيد عن اربعمائة كيلو كله مروج ومناظرخلابه ولكون لغتي لم تكن جيده فقد احترت في تناول وجبة الغداء في الاستراحه..
                وكان بجواري امريكي ووالدته فاسعفاني بطلب (سمك ) كأنهما فهما حيرتي وعند وصولنا غرناطه اشتركت في رحلة إلى قمة أحد الجبال المجاورة لقصر الحمراء وكان هناك حفلة سمر وكانت الاصوات مختلفه أو تتشكل فلحظة تقول هؤلاء من الهنود ومرة تقول إنها من اصوات الهجيني إللى نسمعها أحيانا من إخواننا البدو ومرات لاتفهمها
                لقد بقيت مشدوها ولايوجد من أستطيع أن المح له فيفهمني لان رفقاء الرحلة من الامريكان لم يريدا الذهاب إلى هناك ولم ييسكنان في الفندق الذي سكنت فيه.
                أما قصر الحمراء فقد أسهبت في ذكرياتك عنه...
                إلا أن الامرشد السياحي ذكر أكثر من مرة أن الفضل في بقاء هذه الرسومات والمجسمات هم الفنيين العرب من سوريا ولبنان حتى اتقنها الاسبان كانت تلك الرحله في أواخر عام 1407هـ..

                شكرا أخي العزيز

                واصل حفظك الله فمعك نتذكر بعض ماحصل في تلك الرحله
                sigpic

                تعليق

                • ابن مرضي
                  إداري
                  • Dec 2002
                  • 6170

                  #9
                  شيخنا العزيز أبا عبد الرحمن

                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  هنا اؤاخذك وأعتب عليك . فقد اثبت أنك لا تعتبرني صيديقا ولا تمون عليّ . ففي العام الذي كنت فيه في قصر الحمراء كنت أنا ايضاً هناك ، ولكنك لم تسأل عني ولم تمر عليّ . ولو تعذرت من هذه فلماذا تكون في معرض الكتاب عندما وصل القاطر السفل ، وأنا بجوارك ولا تمرّ عليّ ؟
                  المطلوب إجابة على الأسئلة دون تهرب ...!
                  تحياتي .
                  كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                  تعليق

                  • قينان
                    أدعو له بالرحمه
                    • Jan 2001
                    • 7093

                    #10
                    أخي العزيز بن مرضي

                    تأخرت في الإجابة لانتنتي أريد أن تكون الإجابه عملية ولكن تجري الرباح بما لاتشتهي السفن وهنا لابد م، إيضاح بعضى النقاط .

                    عندما كنت في قصر الحمراء لوعلمت بوجودك لما تأخرت كيف وأنا سالتقي بعزيزلدى وأقضي معه لحظات جميله وسيعرفني بما لم اعرفه من الشركة السياحية..
                    آلا تعلم ياصديقي إن قول الشخص الذي هبط اسواق آحد المدن وكان يشاهد الرجال بكثرة فلا يلتفت إليه أحد والنساء ذاهبات أيبات متوشحات اللون الاسود ولم تبادرة أحدهن بالسلام فترنم بقصيده آخرها
                    كأني اعمي في وطريقي مانصير وابكم ابكم

                    أما معرض الكتاب فهو المعرض العجيب ابحث في النت عن يعض الكتب فلا أجدها وأذهب للمعرض فأجدها أمامي.
                    وكتب وجدتها فذهبت اسأل عنها فقالوا غير موجوده.
                    وهذ استنزف الوقت كله
                    والخاتمه أنني طعلت بمكتب لاباس بها ولم تكن هي المطلوبه
                    آلا تشفع لي عندك هذه المعانه
                    من معرضنا العزيز
                    تقبل خاص الود
                    sigpic

                    تعليق

                    • ابن مرضي
                      إداري
                      • Dec 2002
                      • 6170

                      #11
                      أهلا أبا عبد الرحمن
                      بلى تشفع لك والعذر ماعبيّ إلا للأجواد كما يقال في المثل القديم . لكني أطمح في لقاء ولو كان خفيفا وسريعا قبل أن نغادر هذه الدنيا .

                      تحياتي لك .
                      كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                      تعليق

                      Previously entered content was automatically saved. Restore or Discard.
                      حفظ تلقائي
                      Insert: Thumbnail صغير وسط كبير Fullsize Remove  
                      or Allowed Filetypes: jpg, jpeg, png, gif, webp

                      ماهو اسم المنتدى؟ (الجواب هو الديرة)

                      Working...